أجواء الفرحة تسود المكان، وتظلِّل على الأسرة كلها؛ ابتهاجًا بقدوم المولود الجديد "أنس" فالكل فرحان .. الأب والأم والجد والجدة وباقي أفراد العائلة، ماعدا واحدًا!
إنه "أحمد" – ثلاث سنوات- الشقيق الأكبر للمولود الجديد، فعلى الرغم من شغفه بالمولود الجديد إلا أمارات الغيظ والشعور بالضيق تبدو عليه بوضوح، و يكثر من الصراخ والبكاء أو يمتنع عن الطعام، وأفعال أخرى فسّرها أصحاب الخبرة بأنها غيرة من أخيه الجديد، وكأن لسان حاله يقول:
هذا المولود الجديد..احتل مكاني في أحضان أمي، وشغل أبي عن مداعبتي، وأخذ مكاني "آخر العنقود المدلل" في الأسرة، لقد سلبني كل امتيازاتي..
فما هو دور الوالدين في مثل هذا الموقف الذي تتجلى فيه ظاهرة الغيرة في أول وأقوى صورها في عالم الصغار؟
عزيزي المربي..
إنّ الطفل، سواء كان ترتيبه المولود الأول أم المولود الثامن بطبيعته يريد أن يستحوذ على كل شيء، إنّ الأطفال يريدون كل العطف، وكل اللعب، وكل الامتيازات، وكل الاهتمام، فإذا رأى الطفل أن بعض الاهتمام والامتياز انصرف إلى غيره من اخوته غار وغضب..!
والغيرة هي:
(حالة انفعالية داخل الفرد، وفي عالم الأطفال تمثل شعور مؤلم يصاحبه قلق وتوتر، ينشأ عادة نتيجة فشل الطفل في الحصول على أمر مرغوب، كحب شخص أو الوصول إلى مركز أو قوة أو مال، في حين ينجح طفل آخر في الحصول عليه). [د.سعد رياض: الاضطرابات النفسية للأطفال والمراهقين، ص75)]
وهناك فرق بين الغيرة والحسد:
ومع أن هاتين الكلمتين تستخدمان غالبا بصورة متبادلة، لكنهما لا تعنيان الشيء نفسه، فالحسد هو شعور يميل نسبياً إلى التطلع إلى الخارج، يتمنى فيه المرء أن يمتلك ما يملكه غيره، فقد يحسد الطفل صديقه على دراجته، أو طعامه أو ملابسه التي تحكي مستوىً مادياً مرتفعاً عن مستواه، ومن ثم يتطلع للحصول على مثل هذه الأشياء.
شيوعها بين الأطفال:
هي من أكثر الظواهر الانفعالية شيوعاً في مرحلة الطفولة، وقد لا يعترف الطفل بها غالباً إلا أن مظاهرها وعلاماتها تبدو عليه بجلاء.
ومن أكثر مواقف الغيرة قوةً وشيوعاً بين الأطفال عندما يولد للطفل أخ أو أخت جديد، وكذلك توجد في المراحل العُمْريّة المتقدمة لدى الطفل، ويكون الشعور بالغيرة في هذه المرحلة ناجماً عن مواقف الإخفاق والفشل أو الشعور بالنقص في قدراته، أو بسبب المعاملة الغير عادلة من الوالدين في صورة تفضيل أحد اخوته عليه.
وتتخذ الغيرة أكثر من شكل، أبرزها الغيرة من المولود الجديد، والغيرة من الأقران المتشابهين، ثمّ الغيرة من الجنس الآخر.
مظاهرها وآثارها على الطفل:
قد تؤدي الغيرة إلى ضعف ثقة الطفل بنفسه، وتتحول إلى عادة سيئة وسلوك خاطيء قد يلازمه عندما يكبر إن لم تتناوله الأسرة بالعلاج والتهذيب، ويكون التعبير عنها واضحاً في تصرفاته الغير لائقة مع أقرانه، مثل نزوعه للعدوان والتخريب والغضب.
وتمثل "الغيـرة المرضية" عاملاً مشتركاً في الكثير من المشاكل النفسية عند الأطفال، وقد تشتد فتكون مدمرة للطفل، أو تكون سبباً في إحباطه وتعرضه للكثير من المشاكل النفسية، مثل عدم قدرته على التوافق الشخصي والاجتماعي، الذي يظهر بصور مختلفة منها التبول اللاإرادي أو مص الأصابع أو قضم الأظافر، أو الرغبة في شد انتباه الآخرين، وجلب عطفهم بشتى الطرق، أو التظاهر بالمرض، أو الخوف والقلق، أو بمظاهر العدوان السافر.
وقد يصحب الغيرة كثير من مظاهر الثورة أو التشهير أو المضايقة أو التخريب أو العناد والعصيان، وقد يصاحبها مظاهر تشبه تلك التي تصحب انفعال الغضب في حالة كبته، كاللامبالاة أو الشعور بالخجل، أو شدة الحساسية أو الإحساس بالعجز، أو فقد الشهية، أو فقد الرغبة في الكلام