من أسماء الله تعالى أنه القابض والباسط
لا يجوز أن تقول إن الله قابض فقط ، لأنك إذا قلت قابض فمعنى ذلك أنك تصفه بالمنع والبخل و لكن إذا قلت إنه قابض باسط، فمعنى ذلك أنك وصفته بالقدرة والحكمة
قال تعالى :
"مَنْ ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"
(سورة البقرة)
وهكذا إذا أردت أن تعلل ، يقبض ليبسط و يضر لينفع و يمنع ليعطي ويذل ليعز ، فأنت سائر في طريق الصواب .
بعض أبواب القبض والبسط :
1- اليمن : الرزق
قال الله تعالى : "الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم" (سورة العنكبوت)
فاعلم علم اليقين أن الله هو الرزاق ، وهو الذي يسلب الرزق
إذا تحدثت عن أن الله يقبض ويبسط ، فليس إذا قبض قبض بخلاً ولا إذا بسط بسط إسرافاً
بل يقبض عن حكمة و قدرة و علم و تقدير معالجة أو وقاية ويبسط عن إكرام وتوسعة وامتحان
والدليل قول الله تعالى : " وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ" (سورة الشورى)
2- متعلق بالسحاب
قال الله تعالى : "الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون" (سورة الروم)
وقد يقبضه عن قوم ويبسطه لقومك.
3- يقبض ويبسط في الأنوار والظلال
قال تعالى فيما يتحدث عن الليل والنهار : "ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا" (سورة الفرقان)
4- أن الله عز وجل يقبض الأرواح
فإذا قبض روحه أماته ، وإذا بسطها أي أحياه
5- الأرض أيضاً يقبضها الله عز وجل
قال الله تعالى : "وما قدروا الله حق قدره والأرضُ جميعاً قبْضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون" (سورة الزمر)
فبسط الأرض : أنه جعل الدنيا صالحة لحياتنا ، وقبضها : أي ينهي عملها ووظيفتها .
6- أن الله سبحانه وتعالى يأخذ الصدقات أي يقبضها
لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَصَدَّقَ مِنْ طَيِّبٍ تَقَبَّلَهَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَخَذَهَا بِيَمِينِهِ وَرَبَّاهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ أَوْ فَصِيلَهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَصَدَّقُ بِاللُّقْمَةِ فَتَرْبُو فِي يَدِ اللَّهِ أَوْ قَالَ فِي كَفِّ اللَّهِ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ فَتَصَدَّقُوا " (مسند الإمام أحمد)
7- ان الله سبحانه وتعالى يقبض القلوب ويبسطها ...
والخوف والرجاء للمستقبل ، فأنت دائماً تخاف من الله عز وجل أو ترجوه
و القبض والبسط للحاضر فأنت الآن في حالة قبض أم في حالة بسط ؟ ..
فالمؤمن الصادق بين حالتي القبض والبسط .
نتحدث عن المؤمنين المستقيمين الورعين ، إذ أحياناً تصيبهم حالة الانقباض ، وهذه حالة نسميها علاجاً من الله عز وجل
والحقيقة إذا قبض الله عنك الأحوال الطيبة ، فقد تلوت القرآن وما شعرت بشيء وقمت إلى الصلاة وما شعرت بشيء ، ثم أردت أن تذكر الله عز وجل فما شعرت بشيء ، فهذه الحالة اسمها قبض
حينما يأتي القبض ، فيأتي مع القبض الضجر و الضيق ، فتقول " يا رب لماذا أنا على هذا الحال " ، فيأتي مع القبض الخوف ثم القلق .
أما غير المستقيم فتأتيه حالة انقباض لا معالجة بل نتيجة طبيعية لمعاصيه ، وكل معصية معها انقباض، حتى أن علماء النفس الأجانب ، قالوا : إن المنحرفين يشعرون بكآبة .
فالله عز وجل يقلب المؤمن بين القبض والبسط ، فتراه أحياناً متفائلاً ، طليق اللسان واضح السرائر ، بشوش الوجه ، وتشعر به أنه مبسوط ، و أنه سعيد ، يمشي واثقاً من مشيته ، ويتحدث واثقاً من حديثه ، و هذه الحالة اسمها حالة البسط ، فالله عز وجل تجلى على قلبه باسم الجميل ، إذ جمَّله فأحس بالجمال، والسعادة .
وهذا الشعور بالانبساط قد يأتـي معه أحياناً انزلاق ، وعُجب ، أو كِبْر أو تعالٍ أو استطالة على الآخرين ، فالعلاج حالة أخرى مضادة وهي القبض.
وقد ينزلق مع القبض إلى حالة مرضية وهي اليأس ، فإذا شارف اليأس جاءت حالة مضادة وهي البسط ، فاعلم أيها الأخ الكريم أنك بين حالتين ، القبض والبسط
فما العلاج ؟ العلاج أنك إذا استحققت من الله حالة البسط ، فإياك أن تنزلق منها إلى الغرور أو إلى الاستعلاء أو الإعجاب أو أن تستطيل على عباد الله .
إذاً مع البسط هناك منزلق هو الإعجاب " لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر " ، فما الذي هو أكبر ؟ " العجب " ، وإذا أصابتك حالة القبض ، فما ينبغي أن تنزلق منها إلى اليأس .
فأنت أيها المؤمن موضوع عناية الله عز وجل تربيته ، فلذلك استسلم .
ربنا عز وجل لِمَ أودع فيك العقل ؟ .. لتعرفه !
ولِمَ أودع فيك هذه الفطرة العالية ؟ .. لتعرف خطأك إذ يأتي الانقباض
و أحياناً تنطمس الفطرة ، ويتعطل الميزان ، فهذا الإنسان لا يعي الخير : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ فَإِنْ زَادَ زَادَتْ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (سنن الترمذي)
قال تعالى : " خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (سورة البقرة)
وهناك تعريف لطيف جداً للقابض للقشيري ، يقول : " القابض الذي ملك زمام كل شيء "
ومن معاني القابض القدير ، فأحياناً أنت لا تستطيع أن تدس الحزن بقلب إنسان إذا كان سعيداً، ولو كلمته لا يبالي بكلامك ، لكن ربنا عز وجل قدير ومعنى قدير أنه ملك زمام كل شيء
فالقلب بين أصبعين من أصابع الرحمن ، هو الذي يسعدك وهو الذي يقبض عنك كل سعادة .
يقبض ويبسط كيف يشاء يقبض العقل فلا يفهم يقول لك ما فهمت .
فالإنسان إذا اعتزَّ بعقله وتاه بذكائه يرتكب حماقات يترفع عنها الحمقى ، ليُرِيَهُ الله عز وجل أنه هو القابض
رأي آخر للقشيري ، قال " القبض والبسط حالان يهذب الله بهما الذاكرين "، ألم يقل النبي الكريم " أدبني ربي فأحسن تأديبي " .
ولذلك أقسم ربنا عز وجل في القرآن الكريم ، بالنفس اللوامة ، فهناك نفس مطمئنة : هي نفس الأتقياء الصديقين ، أهل الإحسان ، وهناك نفس أمارة بالسوء : هي نفس العصاة ،
" من حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً كان حسابه يوم القيامة يسيراً ، ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً كان حسابه يوم القيامة عسيراً " .
وقال بعضهم : القابض الذي يكاشفك فيقيك ، والباسط الذي بجلاله يكاشفك بجماله فيبقيك، فأنت بين أن يقيك وبين أن يبقيك
والقابض هو الذي يخوفك من فراقه ، والباسط الذي يؤمنك بعفوه وإطلاقه
والآن السؤال أنت مؤمن فما علاقتك بهذا الاسم ؟
إذا دعوت إلى الله عز وجل يجب أن تجري موازنة دقيقة بين أن تطمع الناس برحمة الله وبين أن تيئسهم من عقابه ، فاليأس مرض والطمع مرض ، فإذا ذكرت الجانب الرحماني فقط وعفوه وكرمه وتجاوزه وحلمه ، ولم تذكر عذابه وعقابه وإيلامه وما عنده من عذاب مقيم فلست محسناً ولست حكيماً في ذلك ، إذاً اجمع بين القبض والبسط حتى في دعوتك إلى الله عز وجل
ورد في بعض الأحاديث القدسية : " أن سيدنا موسى قال يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ، قال يا موسى أحبُّ عبادي إلي تقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني وأحب من أحبني وحببني إلى خلقي ، فقال يا رب إنك تعلم أني أحبك وأحب من يحبك فكيف أحببك إلى خلقك ، قال يا موسى ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي " .
هنا الدِقة : " ذكرهم بآلائي "، بهذه الآيات الدالة على عظمتي كي يعظموني وذكرهم بنعمي كي يحبوني ، وذكرهم ببلائي كي يخافوني ، إذاً لا بد من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله من خلال الكون ، ومحبةٌ له من خلال النعم ، وخوفٌ منه من خلال النقم .
ربنا إذا أكرم إنساناً في الدنيا فهذا إكرام تشجيعي له ولغيره وإذا عاقب إنساناً فهو عقاب ردعي له ولغيره ، فإذاً يجب أن يكون في القلب حب لله عز وجل وخوف منه وتعظيم له.
الحمد لله رب العالمين