براءة متأخرة لصدام حسين
رأي القدس
بريطانيا منشغلة حاليا بمقابلات تجريها لجنة
تحقيقات شكلتها الحكومة لمعرفة الحقائق حول حرب العراق، وكيفية اتخاذ
القرار بارسال قوات بريطانية لاحتلال هذا البلد وتغيير نظامه.
اعمال
اللجنة ما زالت في بدايتها، ومن غير المتوقع ان تكتمل سلسلة المقابلات
التي تجريها مع الشخصيات السياسية والعسكرية الكبيرة التي كانت تلعب دورا
كبيرا في دائرة صنع القرار قبل شهر حزيران (يونيو) المقبل.
فهناك العديد من هذه الشخصيات في اجهزة الامن والوزارات والقوات المسلحة، علاوة على مئات الآلاف من الوثائق السرية.
التركيز
الاساسي ينصب على دور توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق في توريط
بلاده في هذه الحرب، وما اذا كان امينا في سرده للحقائق امام نواب الشعب
لتبرير هذا التورط.
الصحف البريطانية طفحت طوال اليومين الماضيين
بأخبار تؤكد ان بلير مارس الكذب والتضليل طوال الاشهر التي سبقت الحرب،
وخدع الرأي العام البريطاني ونوابه، عندما ظل يردد بان قرار الحرب ضد
العراق لم يصدر، وان بريطانيا لن تشارك في اي حرب ضد الرئيس العراقي طالما
ان لجنة الامم المتحدة لم تقدم وثائق قاطعة تؤكد وجود اسلحة دمار شامل
عراقية، بينما كشفت الوثائق ان الادارة الامريكية كانت تخطط لعدوان على
العراق قبل احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، وان بلير اتفق معها على
شن حرب على العراق قبل عام تقريبا من حدوثها فعليا.
بالامس اكدت صحيفة
'الديلي ميرور' البريطانية واسعة الانتشار ان بلير ابلغ من قبل اجهزة
استخباراته قبل عشرة ايام من بدء الحرب بان العراق لا يملك اسلحة دمار
شامل مطلقا.
ونقلت عن السير وليم ايرمان مدير عام وزارة الخارجية
البريطانية السابق والسفير الحالي في الصين ان اجهزة الاستخبارات اكدت
لبلير رئيس الوزراء البريطاني في حينها ان العراق لا يملك اي اسلحة دمار
شامل، وان ايران وكوريا الشمالية وليبيا اكثر خطرا منه، اي العراق، على
امن بريطانيا ومصالحها، مثلما اكدت له عدم وجود اي علاقات بين نظام الرئيس
العراقي صدام حسين وتنظيم القاعدة او اي تنظيمات ارهابية اخرى.
بلير
الذي يشغل حاليا منصب مبعوث اللجنة الرباعية لتحقيق السلام في الشرق
الاوسط، اصر على المضي قدما في الحرب على العراق، رغم كل هذه المعلومات،
وكذّب على الرأي العام البريطاني ونوابه، وظل يواصل هذا الكذب حتى الان،
للتغطية على جريمته التي ارتكبها بحق الانسانية بغزو بلد لا يملك اسلحة
دمار شامل، ولا يقيم علاقات مع تنظيم القاعدة، ولا يشكل اي خطر على
بريطانيا او حتى دول الجوار العراقي.
دول الاتحاد الاوروبي رفضت تعيين
بلير رئيسا لها لانها تعرف انه رجل كاذب لا يمكن الوثوق به لسقوطه
الاخلاقي، ولكن المؤسف انه ما زال يلقى استقبالا حافلا في معظم العواصم
العربية، خاصة من قبل المسؤولين واهل الحكم كشخصية محترمة يجب ان تحظى
بالدعم والتقدير.
بلير يجب ان لا يستقبل، بل ان يحاكم كمجرم حرب، لانه
تسبب، الى جانب شريكه وصديقه جورج بوش الابن في قتل مليون عراقي، وتشريد
اربعة ملايين آخرين، وتيتيم اربعة ملايين طفل عراقي يعيشون حاليا مع
امهاتهم الارامل.
الدكتور فاضل الجلبي خبير النفط العالمي المشهور،
ووكيل وزارة النفط العراقي السابق، قال لرئيس تحرير هذه الصحيفة، ان
العراق لم يتعرض للغزو والاحتلال بسبب النفط، وانما بسبب موقفه المبدئي ضد
اسرائيل وعدوانها على الامة العربية ونصرته للشعب الفلسطيني وانتفاضته.
والدكتور فاضل الجلبي الى جانب كونه شخصية محترمة، لم يكن بعثيا مطلقا،
ويصنف من الد اعداء النظام العراقي السابق.
العراق يدفع ثمن مواقفه
العربية الاخلاقية والقومية والانسانية المشرفة، وانحيازه لقضية العرب
المصيرية الاولى في فلسطين، وهذا ما يفسر صمت العديد من قادته الجدد على
التلفظ بكلمة واحدة انتصارا لهذه القضية، بل وتورط بعضهم في ترحيل الجالية
الفلسطينية الصغيرة في العراق وطردها وقتل اكبر عدد ممكن من ابنائها، وهم
الذين يقيمون في البلاد منذ ستين عاما، مثلهم مثل اشقائهم في دول عربية
عديدة.
بلير وبوش يكرهان العرب والمسلمين، وينحازان بالكامل لاسرائيل
وعدوانها ومجازرها واحتلالاتها للاراضي العربية. ولهذا التقيا على تدمير
واحتلال الدولة العربية الوحيدة، اي العراق، لتصديه للمشروع الاسرائيلي،
والغاء تفوقه العسكري الاستراتيجي.