فقد تكفَّل الله تعالى بحفظ القرآن فقال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر / 9 ، وقد كان القرآن محفوظاً في صدور الحفاظ من الصحابة وعلى جذوع الأشجار واللخاف ( الخزف ) إلى زمان الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وفي حروب الردة قتل كثير من حفاظ الصحابة فخشي أبو بكر- رضي الله عنه -أن يذهب القرآن ويضيع في صدور الصحابة ، فاستشار كبار الصحابة لجمع القرآن كاملا في كتابٍ واحدٍ حتى يبقى محفوظاً من الضياع ، وأوكل المهمة إلى جبل الحفظ زيد بن ثابت وغيره من كتاب الوحي فأخرج البخاري في " صحيحه " ( 4986 ) عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : " أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر : كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! قال عمر : هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيد : قال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم } حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله تعالى عنهما ".
القول بتحريف القرآن يلزم منه تكذيب الله عز وجل فيما أخبر به في كتابه .
ويرد عليه أن المخالفة لكتاب الله عز وجل شيء ، والتكذيب والجحد له شيء آخر ، فالتكذيب بمعنى أن يعلم المكلف بما أخبر الله عز وجل به ولكنه لا يصدقه ولا يقتنع به ، فهذا كفر ، وأما لو أخطأ في فهم ما أخبر به الله عز وجل وصار إلى غيره مع كونه يرجو موافقة كلام الله عز وجل ، فهذا خالف كتاب الله عز وجل لجهله وهذا لا يكفر ،
وقال شيخ الإسلام _ رحمه الله تعالى , ( .. ومن استهزأ بآيات الله ورسوله فهو كافر باطناً وظاهراً ) مجموع الفتاوى 7/557_558 .
ولذلك لا يجوز معارضة القرآن الكريم بمثل هذا الكلام المنمق والذي يظهر فيه آثار الصنعة والتكلف , فقال تعالى : (الر كتاب أحكمت آياته ) هود 11...فإن معنى أحكمت آياته ( منع الخلق من القدرة على أن يزيدوا فيها
أو ينقصوا منها أو يعارضوها بمثلها ) أنظر تفسير القرطبي 1/84 .. وكيف يشبه كلام البشر كلام الله ( الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) فصلت /42
وهو الذي تحدى به الانس والجن فقال : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا
يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً )الإسراء /88 .
وإذا كان صاحب تلك المقالة ظن أن ما كتبه لا يعدوا الكلام المسجوع , فليعلم أن ذلك من التفاصح النازل إلى
مهواة التعمق والتنطع في الكلام وقد نهى رسول الله _صلى الله عليه وسلم . عن ذلك وناط بصاحبه