كنوز الملك سليمان
للكاتب سير هنري رايدر هاجارد
وقعت أحداث هذه الرواية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .. حين كانت أفريقيا السوداء ومعظم المناطق الواقعة جنوب الصحراء الكبر، منعزلة عن العالم .. وكان الأهالي الأفريقيون الذين يعيشون في تلك المناطق النائية يمارسون حياتهم البسيطة التقليدية ولا يعرفون شيئاً مما حدث في أوروبا وفي العالم الخارجي بصفة عامة من تطورات علمية وصناعية.
**********
منذ ثمانية شهور، حصلت على ثروة طائلة، وقد قضيت نحو خمسة عشر شهراً في سبيل الحصول على تلك الثروة، التي عرضتني إلى أحداث وأهوال جسام .. ولكني أحب أن أعرفكم بنفسي أولاً:
أنا "آلان كوترمين" .. وأعيش في مدينة "دربان" بإقليم "ناتال" في جنوب شرق أفريقيا .. وأنا في الخامسة والخمسين من عمري .. وبدأت حياتي العملية في سن مبكرة .. حيث عملت كبائع متجول .. ثم اشتغلت في أعمال صيد الحيوانات والأعمال الحربية .. كما اشتغلت أيضاً كعامل مناجم.
وفي يوم ما تعرفت على رجلين جاءا من إنجلترا إلى جنوب أفريقيا في مهمة خاصة .. الرجل الأول هو "سير هنري كيرتيس" .. وهو شاب في حوالي الثلاثين، وأعتقد أنه أضخم وأقوى رجل رأيته في حياتي .. أما الرجل الثاني فهو "الكابتن جون جود" .. وهو يتميز بحسن مظهره وشدة نظافته ولطفه .. وكان يضع على عينه اليمنى "مُونُوكل" .. وهي عدسة زجاجية مفردة توضع أمام العين لتقوية نظرها .. كما كان يضع في فمه طقماً من الأسنان الصناعية.
دارت بين وبين هذين الرجلين أحاديث طويلة .. عرفت منها أن "سير كيرتيس" قد جاء إلى جنوب أفريقيا للبحث عن أخيه "نيفيل" الذي هاجر من إنجلترا إلى جنوب أفريقيا بحثاً عن ثروة، ولكنه اختفى منذ فترة طويلة وانقطعت أخباره .. وقد علم "سير هنري كيرتيس" أني أعرف كثيراً من أخبار أخيه، ولذلك فقد لجأ إلي لمساعدته في العثور على أخيه المختفي .. أما الكابتن "جون جود" فهو صديق "لسير هنري" تطوع لمصاحبته في تلك المهمة.
**********
تذكرت بصعوبة كل ما كنت أعرفه عن "مستر نيفيل" .. وقلت لهما إني عرفت بعض أخباره عن طريق خادم أسود اسمه "جيم" كان يعمل في خدمته، وصاحبه في آخر رحلة قام بها قبل انقطاع أخباره .. وعلمت من "جيم" هذا أن سيده يزمع القيام برحلة خطرة للحصول على "كنوز الملك سليمان".
ولما كنت أعرف بعض الحكايات التي يتوارثها الأهالي من قبائل "الزولو" عن هذه الكنوز المخبأة في الجبال البعيدة الواقعة خلف صحراء شاسعة قاحلة، فقد حذّرت "جيم" من المشاركة في تلك الرحلة التي قد لا يعود منها أبداً .. إلا أنه لم يسمع كلامي واختفى هو أيضاً.
اندهش "سير هنري" وصديقه "كابتن جود" لدى سماعهما عن "كنوز الملك سليمان" وسألاني هل هي موجودة فعلاً .. فقلت لهما إني لحسن الحظ أعرف الكثير عن تلك الكنوز ولدي أسرار لا يعرفها أحد.
أذكر مثلاً أن أحد النبلاء البرتغاليين واسمه "جوزيه سيلفستر" قد جاء الى هذه البلاد منذ نحو عشرين عاماً بقصد الوصول إلى تلك الجبال الواقعة خلف الصحراء .. وهي الجبال التي يقال أن الملك سليمان قد أخفى فيها كنوزه من الماس .. وقد تصادف لي أن قابلت هذا النبيل البرتغالي قبل قيامه بتلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر، وكان يتمتع بصحة جيدة.
وبينما كنت أقوم برحلة صيدٍ في الصحراء، فوجئت ذات يوم بشبح يزحف على يديه وركبتيه ولا يقوى على النهوض .. وكان هذا الشبح هو "جوزيه سيلفستر" بنفسه .. كان عبارة عن عظام مكسوة بالجلد .. أصفر الوجه من شدة المرض .. وأوشكت عيناه أن تخرجا من رأسه .. وكان يهمهم في ضعف: ماء .. شربة ماء بحق الله!
وبطبيعة الحال فقد أعطيته ما طلبه من ماء حتى ارتوى .. وبعد أن استراح قليلاً واستعاد وعيه .. أشار إلى قمم جبال سليمان الواقعة خلف الصحراء والتي تبدو باهتة عند خط الأفق وقال لي بصوت واهن ضعيف: يبدو يا صديقي أني أشعر باقتراب الموت .. ولقد كنتَ طيباً معي وأسديتَ إلي صنيعاً جميلاً .. لذلك فسوف أعطيك "الوثيقة" .. ربما تستطيع في يوم ما أن تقهر هذه الصحراء المترامية وتصل إلى تلك الكنوز.
يتبع