للشاعر الفرنسي لامرتين (1790-1869 )
عندما كان الشاعر الفرنسي الرومانسي لامرتين يستجمُّ في بحيرة (بورجيه) المعروفة بمياهها المعدنية
خارج باريس لمعالجة مرض ألـمَّ به عام 1816، تعرف على فتاة جميلة اسمها جولييت جاءت للغرض ذاته،
فكانت علاقة بينهما. وبعد انتهاء مدة الاستجمام، ذهب كُـلُّ منهما إلى سبيـله بعد أن تواعدا على اللقاء
بعد سنة عند البحيرة ذاتها. وانقضى عام على الفراق، عاد لامرتين مرة ثانية إلى البحيرة،
ولكنَّ جولييت لم تكن هناك، إذ اشتد بها المرض فماتت بعد بضعة أشهر نتيجة فشل جهاز التنفس ،
فكانت هذه القصيدة التي اشتهر بها لامرتين.
جرى بنا القاربُ السَّهمانُ في مرحٍ
تحت السّماء وفوق الماء ساريـها
وهكذا في عباب البحر قد مَخرتْ
بنا السفينة نأيـاً عـنْ مراسيهـا
في ظلمـةٍ طوّقتـنا غيرِ زائـلـةٍ
فلا صباحٌ يُـرَجّـى من حـواشيها
يجري بها البحر قُدْمـاً لا رجوعَ لها
ولا استراحةَ يوم راح يُسديهـا
تمرّ حيرى بشُطآنٍ بلا عدد
لكنهّا لا ترى مرفـا ليُـؤويهـا
أيا بحيـرةُ هلاّ تنظرين إلى
عـَوْدي وحيـداً وذكرى منْ لياليها
من بعد عام مضى قد عُدتُ ثانية
أعلـّل النفسَ لا شيءٌ يُسلّيـهـا
كانت على الصَّخرة الصّماء جالسةً
والموج يرقص مختـالاً حوالِِـيها
ويقذف الرّغوةَ النّعسى على قَدمَـيْ
جوليـا حُـنُـوّاً فتشدو في أغانيها
والآنَ أجلس وحدي فوق صخرتها
والنفسُ في شَجنٍ مَنْ ذا يواسيهـا ؟
تذكـّري ليلة والأنسُ يغمـرُنا
ولا نرى غيرَ دنيا الحبِّ نَرويهـا
جرى بنا القاربُ السّهمان في مرح
تحت السّماء وفوق الماء ساريـها
وكلّ ما حولَـنا صمتُ ولا صَخَب
إلاّ المجـاديفَ تشدو في مساعيـها
لكنّ صـوتاً له سحـرٌ وهيمـنـة
أصغتْ له النفسُ فانزاحتْ غـواشيـها:
يا أرضُ مهلاً بنـا لا تُسرِعي أبداً
وطَـوِّلـي ليلـةً رقَّتْ معـانـيها
وأنتِ، أيتها الساعات لا تَـثِـبـي
دعي الصّبابةَ ترعى مـَنْ يُـداريـهـا
وخلـيانا نعُـبُّ الحبَّ في مَـهَـلٍ
وأسرعا معْ كئيب النفس داميـهـا
وقصِّـرا ليلـةً طالت على نَـكِـدٍ
مُسهَّـد ٍ راح بالأشجان يقضيـهـا
لم يسمع الدهرُ صوتَ الحبِّ عن كثب
إذ يكره الحبَّ والأزهـارُ يُـذويـها
فالصّبح قد قوّضَ الليلَ الهني حسداً
ففـارقتْ نشوةُ الأفـراح راعيـها
بحرُ الزمان ضنينٌ كلـّه ضِغَنٌ
يبدّد العمـرَ والأيـّامُ يَطـويـها
إنَّ الزمان ليجري في تدفّـقِـهِ
وإنَّ أمـواجَـه لا رحمةٌ فيـها
فلنغتنمْ فرصةً لاحتْ على عجـلٍ
من لم يُبادرْ إليـها ليس يَجنيـها
و لنترعِ الكأسَ أفراحاً مُشَعشِعةً
فإنَّ جذوتَـنا الأقدارُ تُـطفيـهـا
فليس للمرء مرفا يستجيرُ بهِ
وليس للنـفس شُطآنٌ لتَحميـهـا
تجري بنا لُججُ الأهـوال مُسرعـةً
نحو النهـاية لا شيءٌ سيَـثنـيها
فيا بحيرةُ يا مـا ليلـةٌ شهدتْ
حبّاً تقضّى سريعـاً في دياجيـها
ويا صخوراً على الشاطي تداعبها
الـأمواجُ في جذلٍ والماءُ يُـرويهـا
وأنتِ يا غابةً سوداءَ مظلمـةً
تُجدّد العمرَ دوماً في مـراعيـها
لكم خلودٌ فلا دهـرٌ يُحطِّمُـكمْ
ولا الرياحُ أو النَّسْماتُ يُـفـنيـهـا
تذكَّروا اثنين عاشا في ربوعِكمُ
تساقيا الحب صَفـواً في أعـاليـهـا